من عادى لي وليا فقد آذنته بالحربعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله (سبحانه وتعالى) قال : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه )) رواه البخاري .
شرح الحديث القدسي :
حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، اجتهدت نفوسهم في نيل الرضا والفلاح ، ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم أولياء الله.
إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون (63،62) } ( سورة يونس )
وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في النفس ، ويقينا في القلب.
ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ، كما جاء في قوله (صلى الله عليه وسلم) : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ).
فانظر اخي القاريء كيف يدافع الله عن أوليائه وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد ، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم بالحرب.
حينها تعلم أن الله (سبحانه وتعالى) لا يتخلى عن أوليائه أو يتركهم فريسة لأعدائهم حتى وان تأخّر هذا النصر وطالت مدّته ، فهذه النصرة وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ، فإن تابوا وأنابوا ، وزالت عداوتهم للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وبذلك ينتصر الله لأوليائه ، ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم.
إن بلوغ هذه المكانة لشرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها من يشاء من عباده ، وحق لنا أن نتسائل : ما الطريق لنيل هذه المرتبة العظيمة ؟.
لقد بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) أول طريق الولاية حين قال :
( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله ، فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي والمحرمات.
ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي التودد إلى الله (سبحانه وتعالى) بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ، فيُقبل على ربّه مرتادا لميادين الخير والصلاح ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ، والتي وصفها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله :
( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).
وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة لبارئه (جل وعلا) وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ، فما بالك بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ، والسمو الإيماني الذي يصل إليه.
حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى كلمات الذكر ، ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله ، وهذا هو المعني بقوله (صلى الله عليه وسلم) : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) ، وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يستجيب الله لدعائه ، ويحقق سؤاله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه.
ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ، وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال : كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليزه فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال : نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا ، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي.
وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال : غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر ، وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا.
لقد جمع الله (سبحانه وتعالى) لنا في كتابه شروط الولاية ، قال تعالى :
{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون (63،62) } (سورة يونس)
ومن هنا قال من قال من أهل العلم : " من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً ".
وختاما ادعوا الله (عز وجل) ان يوفقنا في طاعته وحسن عبادته والمسلمين اجمعين ، وصلي اللهم على سيد المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، واجعلنا واياهم في جنة النعيم ... اللهم آمين.
لا تنسونا من صالح دعائكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.